Friday, March 1, 2019

الملحدون وإعتقادهم بالصدفة اللامنطقية


الملحدون وإعتقادهم بالصدفة اللامنطقية

يدعي الملحدون بأنهم أصحاب منهج علمي و توجهات فلسفية منطقية يبنون عليها أنظمتهم فتكون نبراسا لهم فيما يعتقدون به. و هم بذلك لا يؤمنون بالأديان السماوية ولا الرسل عليهم السلام. وإنما يعتبرون رسالاتهم ضرب من خيال الخرافات والقصص والأساطير الغير مثبتة علميا. كما أنهم يبنون على الظواهر العينية في نظرياتهم مع غياب أي أمر حسي معنوي غير ملموس. و لا ننكر أن استخدام العقل أمر محمود و شيء جميل خصوصا عندما يكون ميزان للفكر والتبحر والتدبر. ولكن عندما تكون هنالك شواهد لا يكون تفسيرها سوى الصدفة و الاحتمالات، فعندها نطلق أن البرهان غير منطقي وليس بمنهج علمي محكم.

ولعلي أبدأ بنقطة تكون بداية للحوار مع الملحد صاحب العقل و العلم و قارئ الكتب والمدونات وصاحب الأبحاث والنظريات. فما هو رأيك إن قلت لك بأني قد قرأت كتابا جميلا و مفيد ولكن قد كُتِبَ من دون كاتب، والأكثر استغرابا أنه قد وجد وطُبِع و نشر بالصدفة!

فمن البديهي أن يقال مستحيل أن يكون الكتاب قد كتب نفسه و نسق محتوياته وموضوعاته؟ ولعلها معضلة عندما تؤمن بوجودك كحقيقة ملموسة وعينية في كون متسع ومحكم بمنظومة بيئية حياتية من دون أن يكون له منشئ و مدبر!

فهل الإيمان بأن عالمنا صدفة وكل ما نراه من علامات ومخلوقات أيضا صدفة حصلت بعد الانفجار الكبير المزعوم من إليكساندر فريدمان؟ ونتج من الانفجار نزول المركبات الكيميائية فشكلت عناصر مركبة متطورة عبر ملايين السنين وأنتجت ما نحن عليه الآن وما نراه من حولنا و ما هو أبعد من ما حولنا؟

فدعني أعود لعالمنا البسيط و اسأل هل الصدفة لها قيمة في عالم العلم والأبحاث؟ فهل يمكن أن تحصل على جائزة أفضل بحث علمي أو طبي دون تجهيز واختبارات وتحليلات وجمع بيانات واستنتاجات وأن تكتفي بالقول وجدتها بالصدفة؟

و قد يسأل الملحد كيف نثبت وجود الخالق و هو صاحب علم مبني على التجربة والملاحظة، والإجابة فكما علمت بوجود الهواء والذي يحمل مجموعة العناصر المركبة والتي تحمل الرائحة العطرة فتحس بوجودها دون أن تراها عيانا، عندها تستطيع أن تفسر وجود ما هو أعظم من دون أن تراه.

و لكن دعوني أقف على أرض الملحدين الهشة و أقبل افتراضا أن الصدفة هي سيدة الموقف. فهل يعقل أن تدوم الكواكب في دورانها والأكوان في جريانها والمخلوقات في تطوراتها و الجمال في إبداع تكويناتها بداعي الصدفة المحضة فقط!

و سأقبل مرة أخرى هذا الافتراض الجدلي و أنه من الممكن أن يحصل كل ذلك بداعي الصدفة، ولكن!
هل من الممكن أن تكون الصدفة في عالم الاحتمالات متكررة بنفس النسق؟!

وما أعنيه هو هل إذا رميت مجموعة غير منتهية من الأحرف في الهواء فنزلت لتشكل بيت شعر تكون صدفة؟ وتعود لترميها مرة أخرى فتشكل قصة فتكون صدفة؟

 ما بعد الانفجار الكبير أن تنزل الأحماض ا لأمينية و المركبات الكيميائية وقد تواجدت وتطورت بالصدفة بزعم نظرية التطور لتشارلز داروين، فتشكل الطير والخيل والبشر والشجر والورد والنحل وأيضا صدفة وذلك بحدوث الطفرات الجينية! فهذا النهج ليس علميا وليس منطقيا بل إن الملحدين هم أصحاب الأساطير ليثبتون أنهم عاجزين عن الإجابة. و إن افترضنا أن الطبيعة خلقت نفسها فمن خلق مكوناتها من قبل؟ و إن كان أصل الإنسان قرد فمن خلق القرد أصلا و من رتب له جداول لحمض النووي (DNA) في خلاياه ليستنسخ نفسه ضمن دورة التكاثر الطبيعية؟ أهي الصدفة مرة أخرى؟

و لربما يأتي الملحد الآن ليريد أن يقحمني و يقول قبلت أن يكون الخالق موجود فمن خلقه و كيف أتى؟

و في الحقيقه هذا السؤال يفرحني لأنه أعاده الى طريق الحق و أقر ببطلان الصدفة و أن للكون خالق. و أما مسالة من خلق الخالق فهي حلقة مفرغة متعبة مجهدة لتعود بك لنفس البداية و هي بداية الخلق. ولكن سأخوضها معك وأقول إن فرضنا والله أجل وأكرم وأعز بأن يكون له خالق أكبر و حاشاه و لكن عندها ستعود مرة أخرى و تسال من خلق ذلك الخالق الأكبر و يدخلك الوسواس في دوامة متعبة غير منتهية لنفس السؤال. فكان الحل موجود من العزيز الرحمن في قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}، وقوله عز و جل: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}. و لصاحب العلم القدرة على أن يتبصر ويتذكر ويتدبر ويتفكر ليتيقن بأن هذا الكون استحالة أن يكون مجرد صدفة مزعومة أو أن يكون من غير صنع وتدبير إلا إذا كان مكابرا بجهالة.

و عند البحث ستجد ومن الضروري إلى وجود حدث محدث لكل ما هو كائن وعندها تتيقن بوجوده و لن تذهب لمتاهات داروين الغير منطقية لتعود لنفس الحقيقة بأنه هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد. والأساس في الدين هو الإيمان بالغيب وأن الإيمان بالله يكون بعدم رؤيته جهرة وإنما بآثاره هو ذروة الإيمان. فإن علمت و آمنت بذلك في الدنيا ستنعم و إن علمته يقينا في الآخرة ستندم على نكرانك.

وبعد كل هذا إن أصررت في إلحادك فلن يضر الخالق شيء و لكن تذكر في الأخير سيحاسبك كبشر ذو عقل كما خلقك و ليس كقرد غير محاسب كما وصفك داروين و هلسكي.
فسؤالي الأخير يا أيها الملحد كيف تقبل أن تكون هذه الصدفة المجردة هي أساس و نبراس حياتك العلمية المحكمة وكيف تقبل بأن تكون في هذا الوجود و ما وصلت له من علم و فلسفة و منطق صدفة وكل ما تراه اصله صدفة وأصلك صدفة و منتهاك صدفة؟!

فاسمح لي أن أقول إنك ظالم في حق نفسك ومعرفة حقيقتك، و أن علمك و إلحادك لم يزدك سوى بعدا عن الحقيقة وجهلا بها. فأسال الله أن ينير عقولنا و دروبنا لمعرفة الحق المبين و أن يبعدنا عن مراد إبليس اللعين.

د. علي بن عيدروس بن علي البار
 عضو هيئة التدريس بالقطاع التعليمي في الهيئة الملكية للجبيل و ينبع.

No comments:

Post a Comment