الشرح المبين في الرد على الملحدين
بقلم:
علي بن عيدروس بن علي البار
عضو هيئة التدريس بالقطاع التعليمي في الهيئة الملكية للجبيل و ينبع
علي بن عيدروس بن علي البار
عضو هيئة التدريس بالقطاع التعليمي في الهيئة الملكية للجبيل و ينبع
د. نزار بن ياسين بن علي البار
عضو هيئة التدريس بكلية الطب في جامعة أم القرى
عضو هيئة التدريس بكلية الطب في جامعة أم القرى
لعلي أستهل مقالي بعبارات أكثر ما تكون تذكير لكم إخوتي الكرام بأن العقول هي ميزان العلوم، وليس كل ما يقال ويتداول نعتبره علماً ناجعاً. وكذلك ليس كل من قام بنشر وترويج عبارات منمقة ومستصاغة للقلوب نعتبره عالماً حقا. فإن أتاكم الخبر فتبينوا منه و لتتأكدوا إنه العلم اليقين. و هذا ما أتمناه منكم عند قراءة المقال الثاني في ردي على الملحدين. والأهم أن لا تستخدموا أيديكم لتغمضوا الأعين والآذان والأفواه، بل أريد منكم أن تفتحوا أعينكم للبحث عن الحقيقة، وأن تسمعوا وتتفكروا فيما بين أيديكم، وأن تتحدثوا بعيداً عن العنصرية والتحيز لطرف دون آخر.
فما لمسته في مقالي السابق بعنوان "الملحدون واعتقادهم بالصدفة اللامنطقية" هو أن الكثير كان يطالب أن يكون المقال أكثر شمولية ويذكر أن نظرية التطور صحيحة ومثبتة علمياً. ولكن أثرت الفضول الذي بداخلكم حيث قام الكثير ليدعم صحة النظرية من دون أن يناقش صحة منشئها، ولنبدأ المقال بأريحية وذكر أن نظرية داروين فيما يخص تطور الكائنات بها بعض اليقين دون شك في ذلك.
وللأمانة فقد قرأت عنها كثيراً وكنت دائماً أحاول أن أجد تفسيرات أخرى لمعاني الحياة وكيف استطاع البشر و بالعلم معرفة حقيقة الكون، وطبعاً كان يدور في بالي بأن أبحث عن حقيقة قد توصل لها العلم غير الحقيقة عندنا كمسلمين مسلمين بما لدينا من حقائق منزلة في الكتب السماوية أو ما أخذناه من الرسل عليهم الصلاة و السلام.
وأول سؤال جاب في خاطري هو كيف بدأ الخلق؟ ومن نحن ومن أين وإلى أين؟ وكنت قد تعلمت اللغة الإنجليزية لسنوات طوال وأعتقد أنه ليس إنجازاً لأذكره فكثير منكم يجيدونها تحدثاً وكتابة و لكن أذكرها في السياق لأني من بعدها بدأت اقرأ في مصادر النظريات المختلفة باللغة الإنجليزية، ولكي أفهمها تطلب مني العلم بكثير من المصطلحات و التعاريف، فكنت قادراً على فهمها ونقدها.
و لعلي في هذا المقال سأتوقف قليلاً لكي أشرح لكم بعض المحاور الهامة، وعذراً على الإطالة، فقد قمت بالتواصل مع الدكتور نزار بن ياسين البار و هو مؤلف كتاب سيتم إصداره قريباً بعنوان "أسئلة لا يمكن لداوكينز أن يجيب عليها" وهو بروفسور في الطب البشري و له منظور طبي حيوي حيال هذه النظرية، وفي كتابه يذكر كثير من النقاط والتي يرد فيها على مطور النظرية التطورية وهو العالم ريتشارد داوكينز.
فقام مشكوراً بطرح عدة نقاط جوهرية لكي نتحاور فيها مع من تساوره الشكوك بعدم وجود الخالق أو عدم وجود منشئ لهذا الكون، ومنها سنتبحر و ننطلق بأساسيات علمية ستقودنا لتفرعات عجز فيها العلم الحديث أن يجيب عليها.
و لكن أولاً ما ذا نعني بنظرية التطور؟
تقول النظرية أن تواجد كل ما هو كائن اليوم قد حدث بواسطة الاختيار الطبيعي العشوائي، و بمعنى آخر أنه بعد حدوث الإنفجار الكبير تواجدت أغبرة تعرف بإسم الغبار النجمي (Stardust) وبه مكونات صلبة جامدة و غازات وأتربة ومن خلالها بدأ الاختيار العشوائي لتكوين المركبات والأحماض، وعلى مر السنين تم إنشاء أول خلية حية في تلك الفوضى الكونية. ومن بعد وجود الحياة في أول خلية بدأ التطور في الحياة من خلال تلك الخلايا لإيجاد كائنات حية مختلفة الأشكال والأحجام.
و من هذا المنطلق بدأ ريتشارد داروين يتوسع في نظريته و يبدع في تصنيف الكائنات والبحث في تركيباتها الجينية والحيوية ليثبت كيف تتطورت بعض أنواع الأسماك إلى زواحف و كيف الزواحف استطاعت جيناتها بالتطور لتكون متنوعة وأكثر تطوراً في بيئات مختلفة. و نحن كمسلمين لا نجد أي تعارض في ذلك فنحن نؤمن بهذا التطور و قد قال الله جل في علاه "و يخلق ما لا تعلمون" أي تطورات تأتي بخلق جديد و هيا ضمن تغيرات لتركيبات جينية معينة و تحت ظروف بيئية محددة.
و أما مسألة التقارب بين البشر و القرود فكان بسبب التشابه في عدد أزواج الكروموزومات بينهم، حيث أن الإنسان يحمل 23 زوجاً والقرد يحمل 24 زوجاً، وقد برر علماء النظرية بأن الإنسان قد تطور عبر ملايين السنين بدمج زوج واحد من الكروموزومات بزوج آخر ليصبح عددها الكلي 23 زوجاً بينما لم تتطور القردة و كان التميز هنا للإنسان. و حتى هذه اللحظة لازالت هذه النقطة في بحث متواصل و غير منتهية بشكل قاطع، و إنما فكرة الدمج للكروموزومات تعتبر حجة جيدة لكي يتقبل الناس نظرية التطور بشكل شبه لائق.
و لكن كل ما تم ذكره من تطوارات حيوية يظل في سياق وجود كائن حي ينبض بالحياة. ومن خلال الحديث مع الدكتور نزار البار فقد قام بذكر نقاطه الموجودة ضمن كتابه
(Questions Richard Dawkins can Never Answer) ومنها:
إن وجب علينا الإيمان بأن الكون كان نتيجة الانفجار العظيم وهو الحدث الأكبر تاريخيا، فيجب أن يقف العلم احتراماً لهذا الحدث وأن يعطي تفسيراً علمياً لأسبابه ومسبباته؟
فالسؤال الأهم كيف تكونت المادة أصلاً؟ و كيف انتظمت الجزيئات الدقيقة داخل الذرة و ما نعنيه ( الإلكترون، النيترون، و البروتون، و البوزيترون)؟
و من بعدها تأتي سلسلة من التساؤلات العلمية و من دون التطرق للدين تماماً وهو كيف تكونت أول ذرة هيدروجين؟ و كيف تكونت أول ذرة هيليوم؟ وكيف تكونت أول ذرة ليثيوم؟ و كيف تكونت أول ذرة كالسيوم؟ و كيف تكونت أول ذرة زئبق؟ و السؤال الأكبر كيف تم تصميم النظام داخل الذرة ليكون بهذه الدقة المتناهية لمسارات الإلكترونات حول النواة؟
فهل من الممكن أن يحدث كل هذا بعد الانفجار العظيم تلقائياً؟
و كيف تم تكوين ذرة الهيدروجين و الليثيوم و البورليم و البورون و الكربون و النيتروجين و الأكسجين و الفلور و النيون و الصوديوم و المغنيسيوم و الألمنيوم و السليكون و الفوسفور و الكبريت و الكلور و الأرجون و بقية ال ١١٨ عنصراً التي تعرفها البشرية.
و ذكر الدكتور نزار البار أن عمر الكون يبلغ حوالي ٥ مليار سنة وعمر الحياة على كوكبنا هو فقط ما بين ٣،٥ الى ٤ مليار سنة وهذا لا يكفي لكي تصنع العشوائية العناصر الخمسة الأولى من الجدول الدوري، و لو افترضنا أن عمر الكون هو ٩٠ مليار سنة فلن يكفي لأن يصنع ربع الجدول الدوري من تلقاء ذاته.
هذا فضلاً عن انتظام الذرات لصنع الجزيئات و انتظام الجزيئات لصنع المواد. فذكر الدكتور من خلال تخصصه الطبي أن جزيء الإنسولين الأوحد يحتاج إلى أكثر من ألف كوادرليون سنة (وهو مليون مليار سنة) ليتم صناعته عن طريق الإنتقاء العشوائي و التي تتحدث عنها نظرية التطور.
و يذكر الدكتور في كتابه أحد أهم التساؤلات و التي تستحق التأمل و البحث علمياً و عملياً و هو كيف تسربت الحياة إلى المادة؟ و كيف تجمعت المادة الميتة و تراكمت و نشأت داخلها الحياة لتكوين أول خلية حية في هذا الوجود؟
و أسرد قائلا كيف تمكنت الخلية الأولى أن تجد طريقها للحياة؟ و ما هو السر العلمي عن كيفية صنع أول حامض نووي بداخل الخلية؟ و كيف صنعت أول جدار خلوي لها؟ و كيف صنعت أول مايتوكندريا؟ و كيف صنعت أول سائل بلازما؟ و كيف صنعت أول إنزيمات؟
فإن الخلية بداخلها ٣٠٠ ألف إنزيم و كل واحد يحتاج إلى أكثر من أربعة آلاف ترليون سنة و هو ما يتجاوز عمر الكون بآلاف المرات. و لو افترضنا مرة أخرى أن عمر الكون ٩٠ مليار فليس كافياً لصنع حمض نووي به ثلاثة مليار نيوكليوتايد معقد مجتمع بترتيب دقيق يصنع شفرة عالية الدقة المعلوماتية و الحساب الرياضي سيكون ضرب عمر الكون في كوادرليون كوادرليون كوادرليون كودرليون ضرب ١٠ أس
٢ سنة (نعم هذا رقم رياضي و ليس خطأ مطبعي).
و شرح قائلاً أن فرصة أن تكون الخلية الأولى في الكون وحدها دون خالق كما تزعم النظرية هو واحد على عشرة أس ٦٧٨، و كما يعرف في عالم الفيزياء فإن الرقم المستحيل الحصول و المعروف بالرقم الصفري هو واحد على عشرة أس ٤٩ و أما الرقم المكتوب أعلاه فهو أكبر من ذلك بكثير، مما يعني أن النسبية صفرية للأبد، وهذا ينفي صحة فكرة الانتقاء العشوائي وذلك من جانب رياضي.
و لعلي أستغل الفرصة لأبين لكم أن كل مالم يجيب عليه العلم يصبح افتراضاً و قد يتم رفضه بسبب قوة الحجة لرفضه و وهن البرهان لدعمه، فلم يفسر العلم الحديث ولا نظرياته التطورية شرح استمرارية دورة الحياة و بمعنى آخر هو متى يسمح لهذه الخلايا أن تعيش ضمن كائن حي ومتى تموت؟
و القصد ماهية الروح؟ و التي بدأت بها الحياة، و بها تستمر الحياة، و من دونها لا حياة، فما هو سرها و من أين أتت؟ لعلها تساؤلات لم تنفي نظرية التطور و لكن تقصم منشأها بعدم تقبل الصدفة المذكورة ضمن المقال السابق. و بهذا المقال نكون قد بينا نقاط الاتفاق والاختلاف في هذه النظرية والتي كانت مطلب من البعض في التوسع و ذكر دواكينز.
و ختم الدكتور نزار البار بالقول إذا أردنا التحاور فوجب علينا العدل في طرح الفكرة وانتقادها و أضاف حجة قوية تبين أحد أهم التحديات و التي يجب علينا احترامها و أن نكون عادلين في مناقشتها و هي التحديات العلمية التي ترفض الصدفة و منها التحديات البيولوجية و البيئية. فكيف للصدفة وحدها أن تصنع كم الروعة الهندسية في ذرة الهيدروجين؟ و كيف يمكن للصدفة أن تجعل ذرة الهيدروجين تدخل في إندماجات نووية تكون بقية أنواع الذرات التي تصل في كوكبنا إلى ١٠٨ عنصراً؟ و كيف للصدفة أن تجمع هذه العناصر المتحابة و المتحاربة فيزيائياً لتكون جزيئات كجزء الماء الذي نشربه و ما الذي جعل الماء ضرورة لحياة كل الكائنات؟ لماذا كان الماء ضرورة لحياتنا و لماذا تكون أصلاً إن لم يكن هناك خطة أن نصبح موجودين؟ و لماذا تكون الهواء على الارض بهذه التركيزات الدقيقة ليكون صالحاً لنا إن لم يكن هناك خطة لأن نخلق؟ و لماذا كان موقع الأرض من الشمس و طبقات الغلاف الجوي بهذه الدقة بحيث تصبح صالحة لعيشنا إن لم يكن هناك خطة مسبقة بأن نخلق؟ و الأصعب هو من جعل الميت الصلب (Stardust) به حياة، و قد جعل الخالق ذلك تحدياً للبشر لكي يتفكرون في عظمة هذا الحدث فقال عز و جل في كتابه: (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون).
فلماذا الإصرار على عدم احترام العقل و العلم و محاولة إثبات أن الصدفة أصل البداية، فنقول لكم لو كانت صدفة واحدة أو اثنتين لقلنا ممكن، أما أن تجمعوا لنا مليارات الترليونات من الصدف العشوائية لتعطونا تفسيراً لهكذا نظام فيزيائي محكم و مذهل فأنتم و الله لا تريدون أن تكونوا عادلين و لا منصفين.
و بعد كل هذا يجب على الملحدين احترام أصحاب العقول ممن يستطيعون وزن الأمور، ويجب عليهم أن يجدوا إجابات شافية و عدم الإكتفاء بالقول بأن العلم في تطور و لم نصل لمعرفة إجابات لهذه التساؤلات، و الأحرى هو أن يبدأ الملحد في البحث عن حقيقة الخالق واستخدام ميزان العقل الصحيح دون تحيز لإخفاء حقيقة ما، فوجود الحياة بهذا التناسق و التكامل و الانتظام دليل على وجود خطة محكمة من مدبر حكيم.